بيانات الاستدامة: انبعاثات الكربون وتصنيفات ESG
تشمل بيانات الاستدامة معلومات متنوعة عن أداء الشركات والمؤسسات على الصعيد البيئي والاجتماعي والحوكمة. من أهم هذه البيانات «بصمة الكربون» وهي كمية الانبعاثات الغازية التي تولدها الشركة. تُستخدم معايير مثل انبعاثات الكربون الناتجة من عمليات الإنتاج أو استهلاك الطاقة كمؤشر على التأثير البيئي للشركة. بالإضافة إلى ذلك، توجد تصنيفات ESG (البيئية والاجتماعية والحوكمة) التي تصدرها وكالات مستقلة مثل MSCI، وRefinitiv (LSEG)، وSustainalytics. تتراوح هذه التصنيفات بين الأرقام والنسب المئوية أو بين فئات مثل «متقدّم» و«متوسط» و«متخلف». تقييمات ESG تُبنى على مجموعة من المؤشرات الفرعية: فمثلاً تتضمن البُعد البيئي قياس البصمة الكربونية واستهلاك الطاقة وإدارة النفايات، أما البعد الاجتماعي فيشمل معايير العمل وحقوق الإنسان وأثر الشركة على المجتمع، والحوكمة فتركز على شفافية الإدارة وهيكل مجلس الإدارة وسياسات التعويضات. وكلّ وكالة تقييم لديها منهجية خاصة بها، ولا توجد معايير موحّدة عالمياً. لكن الغالبية العظمى من المستثمرين تعيد النظر في قراراتهم بناءً على هذه المؤشرات باعتبارها جزءاً مهماً من تقييم المخاطر والفرص، مثل قياس قدرة الشركات على مواجهة قوانين البيئة الجديدة أو التغيّرات المناخية.
دمج الاستدامة في استراتيجيات التداول
أصبح تضمين معايير الاستدامة في التداول من الاستراتيجيات الرائجة. فالمستثمرون المبتدئون والمتوسطون يستفيدون من بيانات ESG لتوجيه قراراتهم بشكل أخضر وأمين. ولتحقيق ذلك، يمكن اتباع عدة أساليب:
الدمج ضمن التحليل الأساسي (ESG Integration): يقوم المتداول بتقييم الشركات على أساس نقاط ESG إلى جانب المؤشرات المالية. مثلاً، قد ينظر إلى كيفية إدارة الشركة لبصمتها الكربونية أو ممارساتها العمالية قبل الشراء. الدراسات تشير إلى أن الشركات ذات التصنيفات العالية في ESG تميل إلى تقلب أقل وعوائد أفضل على المدى الطويل، ما يجعل تخصيص جزء من المحفظة لها قراراً استراتيجياً.
- الاستبعاد الانتقائي (Negative Screening) : تجنب الاستثمار في شركات الصناعات الضارة أو غير الأخلاقية. يشمل ذلك عادة شركات الفحم والنفط، وصناعة التبغ، والأسلحة، وغيرها. على سبيل المثال، صندوق ETF صُمم حسب معايير ESG قد يستبعد تلقائياً شركات إنتاج الفحم وشركات الأسلحة مثلما يفعل صندوق iShares ESG Aware MSCI EAFE. هذه الاستراتيجية تضمن ابتعاد المحفظة عن الشركات التي قد تتعرض لاحقاً لمخاطر تنظيمية أو تراجع السمعة.
- الاستثمار الموضوعي (Thematic Investing) : التركيز على قطاعات تساهم في أهداف الاستدامة الكبرى. مثال على ذلك صناديق الطاقة المتجددة التي تركز على شركات الرياح والطاقة الشمسية، أو الصناديق المتخصصة في إدارة المياه والنفايات النظيفة. من الأمثلة العالمية على هذه الصناديق «iShares Global Clean Energy ETF» أو «Invesco Solar ETF»، التي تسمح للمستثمرين بدعم التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.
- إعادة توازن المحفظة دوريًا : لأن المعايير والاستراتيجيات البيئية والاجتماعية ديناميكية، فمن المهم مراجعة المراكز المالية بانتظام. فقد تخف درجة ESG لشركة بسبب تطورات جديدة أو ظهور فضائح، ما يستدعي تعديل المراكز. ينصح المحللون بإجراء مراجعات دورية وإعادة توازن المحفظة بحيث تعكس دائماً أحدث البيانات حول أداء ESG.
تُظهِر الأبحاث المالية أن إدماج معايير ESG في القرارات الاستثمارية يمكن أن يحسن التوقعات بعوائد مستدامة على المدى البعيد، ويقلل المخاطر المرتبطة باللوائح الحكومية أو تفضيلات المستهلك المتزايدة نحو الاستدامة. كما يلجأ كثير من المتداولين لشراء صناديق ETF ومؤشرات مركبة لديها تصنيفات استدامة عالية؛ لأن هذه الصناديق توفر تنويعاً سهلًا بدون الحاجة لاختيار كل سهم على حدة.
أمثلة على صناديق ومؤشرات سوق صديقة للبيئة
يوجد اليوم العديد من المؤشرات والصناديق المتخصصة التي تركز على الاستدامة العالمية. فمثلاً مؤشر S&P 500 ESG (مُطوّر بواسطة S&P Global) يضم أفضل الشركات من أصل 500 شركة كبرى في السوق الأمريكية من حيث معايير ESG، ويستبعد الشركات المرتبطة بالأسلحة والنفط والفحم والتبغ. وبالمثل، قد تطلق البورصات مؤشراتها الخاصة: فمثلاً مؤشر Nasdaq-100 ESG مبني على أسس Nasdaq-100 مع استبعاد الشركات ذات الأعمال المثيرة للجدل. وقد أعدت وكالة MSCI مؤشر MSCI USA ESG Select الذي يعطي وزناً أكبر للشركات ذات تصنيفات ESG العالية على حساب غيرها. من الأمثلة الأخرى مؤشر داو جونز للاستدامة (Dow Jones Sustainability Index) التابع لـS&P DJI، والذي يضم الشركات الأعلى أداءً في الاستدامة في كل قطاع. ولا ننسى مؤشرات مثل FTSE4Good العالمي التي تركز على المعايير البيئية والاجتماعية، بالإضافة إلى مؤشرات Morningstar العالمية للاستدامة.
كذلك ظهرت صناديق ETF «صديقة للبيئة» كثيرة مرتبطة بهذه المؤشرات. فهناك صناديق تركز على الطاقات المتجددة أو التكنولوجيا النظيفة، ومنها ما يرتبط بالمؤشرات المذكورة أعلاه. على سبيل المثال، يتيح صندوق ETF مشتق من مؤشر Clean Energy العالمي فرصة الاستثمار في شركات الرياح والطاقة الشمسية. هذه الصناديق توفر للمستثمر العربي الوصول العالمي للشركات المستدامة بدون البحث اليدوي عن كل شركة.
آليات تصنيف الشركات حسب معايير الاستدامة
تعتمد مؤسسات التصنيف وصناع المؤشرات على آليات مختلفة لترتيب الشركات حسب معايير الاستدامة:
- أفضل الشركات (Best-in-Class) : حيث تُختار الشركات الأعلى تقييماً في كل قطاع على حدة. يستخدم مؤشر داو جونز للاستدامة هذا المنهج (اختيار أفضل 10% من الشركات في كل قطاع بناءً على تقييمات الاستدامة).
- الاستبعاد الاستباقي : بعض المؤشرات تستبعد كامل قطاعات معينة أو شركات بنشاطات محددة. على سبيل المثال، قد تبتعد عن شركات الفحم والنفط أو شركات التبغ بشكل كامل. وتوفر مؤشرات مثل MSCI اختيارها بمصفاة خاصة، تقلل تعرض المحفظة لأكبر شركات ينبعث عنها كربون.
- إعادة الوزن حسب التصنيف : في بعض المؤشرات يُعاد وزن الشركات وفقاً لنتائج التصنيف. فمثلاً مؤشر MSCI ESG Select يعطي وزناً أكبر للشركات ذات تصنيف ESG أعلى، مما يعني أن الشركة ذات الأداء الاستدامي الأفضل تأخذ حصة أكبر في المؤشر.
- المحاور المستهدفة (Thematic) : قد تركز بعض المؤشرات أو الصناديق على أهداف محددة (مثل الطاقة النظيفة أو إدارة الموارد)، فتضُم فقط الشركات العاملة في تلك المواضيع مع الالتزام بمعايير ESG عامة.
تعتمد جميع هذه الآليات على البيانات التي تجمعها وكالات التصنيف واختصاصيو البيانات. فشركة Refinitiv (جزء من LSEG) على سبيل المثال تقيس أداء الشركات عبر عشرة محاور مثل «الانبعاثات» و«ابتكار المنتجات البيئية» و«حقوق الإنسان»، ويؤدي ذلك إلى درجات إجمالية توضح مدى استدامة الشركة. ووكالات مثل MSCI وSustainalytics وFTSE Russell لها منهجيات خاصة بها، لكنها جميعاً تصب في تمكين المستثمر من مقارنة الشركات بناءً على معايير ثابتة في البيئة والمجتمع والحوكمة.
الوصول إلى بيانات الاستدامة على منصات التداول
تتيح معظم منصات التداول العالمية والبوابات المالية الوصول إلى بيانات ESG والبيئة بسهولة:
- وسيط Interactive Brokers : يقدم عبر منصته (Trader Workstation أو Client Portal) تصنيفات ESG من بيانات Refinitiv. يمكن للمتداول رؤية تقييم الشركة عبر أبعاد مثل تقليل الانبعاثات وحقوق الإنسان ومعايير الحوكمة، واستخدامها في فلترة ومسح الشركات.
- منصة eToro : توفر درجات ESG لأكثر من 2000 سهم وأصل مالي مع عرض «ضوء المرور» (أخضر للأفضل وأحمر للأسوأ). تعتمد eToro على شريك البيانات ESG Book لتحديث هذه التصنيفات يومياً. يمكن للمستخدمين فلترة الأسهم بالاعتماد على هذه الألوان لاتخاذ قرارات سريعة.
- البوابات والمواقع المالية العامة : مثل Yahoo Finance وGoogle Finance، تعرض أحياناً بيانات الاستدامة. فمثلًا يوجد على Yahoo Finance درجات ESG (من شركة Sustainalytics)، ويمكن لجداول البيانات عبر إضافات مثل Excel Price Feed سحبها بواسطة صيغ تلقائية. كما تتيح بعض منصات الرسوم البيانية (مثل TradingView) عرض معلومات عن صناديق ESG وإعداداتها. على سبيل المثال، صفحة صندوق iShares ESG Aware MSCI EAFE على TradingView توضح معايير اختيار الأسهم فيه (استبعاد شركات التبغ والأسلحة، وتركيز على الشركات ذات الأداء البيئي القوي).
- خدمات بيانات محترفة : بالنسبة للمستثمرين المحترفين، تقدم أنظمة مثل Bloomberg Terminal أو Refinitiv Eikon أدوات بحث وشاشات ESG متقدمة. ورغم أنها تتطلب اشتراكاً، إلا أنها تُمكِّن من تحميل التقارير البيئية وتواريخ الانبعاثات والتصنيفات مباشرة.
باختصار، تتكامل بيانات الاستدامة حالياً في معظم بيئات التداول العالمية. يمكن لأي متداول مبتدئ أو متوسط الاستفادة منها سواء عبر استخدام المؤشرات الخضراء (كمعيار استرشادي لأداء السوق)، أو عبر الاستثمار المباشر في صناديق وأسهم مصنفة إيجابياً في معايير ESG. الوثوق بهذه البيانات والتعامل مع مصادرها الرسمية (MSCI, S&P, FTSE, بل وحتى بورصات عالمية) يمنح قرار التداول بعداً جديداً يأخذ بعين الاعتبار عوامل بيئية واجتماعية لم تكن ضمن الحسابات الاستثمارية التقليدية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق